#
مئة عام على مولد وزير الثقافة ثروت عكاشة

مئة عام على مولد وزير الثقافة ثروت عكاشة

يوافق اليوم، 18 فبراير، مرور مئة عام على مولد الدكتور، ثروت عكاشة (1921-2012)، والذي شغل منصب وزير الثقافة مرتين، ويعود إليه الفضل في تأسيس الكثير من لبنات الثقافة المصرية الحديثة.

حينما كلف ثروت عكاشة بتولي منصب وزير الثقافة للمرة الأولى، وهو المنصب الذي شغله في الفترة من (1958-1962)، قال له الرئيس جمال عبد الناصر: “مهمتك هي تمهيد المناخ الثقافي لإعادة صياغة الوجدان المصري.. وتذكّر، أن بناء المصانع أسهل.. ولكن بناء الإنسان صعب جداً!”.

استمع عكاشة لنبأ تعيينه وزيراً لثقافة مصر ما بعد الثورة، حينما كان سفيراً لمصر في روما، بعد عرض لأوبرا “بوريس غودونوف” للمؤلف الموسيقي الروسي، موديست موسورغسكي. وبعد عودته إلى المنزل، استمع في نشرة أخبار الحادية عشرة من إذاعة القاهرة إلى تشكيل الحكومة الجديدة، التي أُعلن فيها عن اسمه وزيراً للثقافة والإرشاد القومي.

وفي اللقاء مع جمال عبد الناصر، بعد عودته في ظرف أربع وعشرين ساعة من إيطاليا، قال له ناصر: “لم أدعك لشغل وظيفة شرفية، بل لأنني أعرف أنك ستحمل عبئاً لا يجرؤ على التصدّي لحمله إلا قلة من الذين حملوا في قلوبهم وهج الثورة حتى أشعلوها. وعلينا أن نعزق تربتها ونقلبها ونسويها ونغرس فيها بذوراً جديدة لتنبت لنا أجيالاً تؤمن بحقّها في الحياة والحرية والمساواة”.

وبمناسبة مئوية الوزير الأسبق، وأحد أبرز رموز الثقافة المصرية، ثروت عكاشة، سوف تطلق وزارة الثقافة فعاليات احتفالية، تنطلق من دار الأوبرا بحفل لأوركسترا القاهرة السيمفوني، الذي يقدّم مساء بعد غدٍ السبت، 20 فبراير على المسرح الكبير مؤلفات ريتشارد فاغنر، الذي كان يعشقه عكاشة.

وسوف تستمر فعاليات الاحتفال طوال العام الحالي، وتبدأ بمؤتمر بالمجلس الأعلى للثقافة في أبريل تحت عنوان “ثروت عكاشة.. فارس الثقافة المصرية”، ومؤتمر بالمركز القومي للترجمة في أكتوبر لمناقشة ما ترجمه الراحل من أعمال، وكذلك مجموعة من الندوات المتنوعة التي تتناول سيرة الدكتور ثروت عكاشة، ومن أهمها: ثروت عكاشة بين الثقافة والسياسة، دور ثروت عكاشة في إنقاذ معبد أبو سمبل، مؤسسات وزارة الثقافة التي أنشأها ثروت عكاشة وغيرها، كذلك سوف يتم إطلاق جائزة ثروت عكاشة لترجمة الفنون السمعية والبصرية من اللغة العربية وإليها.

تخرّج عكاشة في الكلية الحربية سنة 1939، ثم في كلية أركان الحرب، كما درس في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، ونال دبلوم الصحافة سنة 1950، وبعدها واصل دراساته العليا، حتى حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون.

كذلك شارك عكاشة في حرب فلسطين سنة 1948، حينما كان ضابطاً بالمخابرات الحربية، وقدّم شهادته المهمة عن تلك الحرب في مذكراته، بعدها انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار، ولعب دوراً مهمّاً في نجاح ثورة 1952.

نجح ثروت عكاشة في تحقيق مشروع ثقافي ضخم، من خلال تأسيس وهيكلة ووضع الأطر والرؤى للمؤسسات الثقافية، التي شكّلت البنية التحتية للثقافة المصرية الحديثة، ولا تزال تعمل حتى يومنا هذا مثل المجلس الأعلى للثقافة، الهيئة العامة للكتاب، أكاديمية الفنون، دار الكتب والوثائق القومية، فرق دار الأوبرا والسيرك القومي وبعض المسارح الشهيرة.

من بين إنجازات عكاشة المهمة كانت تجربة الثقافة الجماهيرية، التي تحوّلت فيما بعد إلى “الهيئة العامة لقصور الثقافة”، والتي تأسس من خلالها مئات بيوت وقصور الثقافة في جميع أنحاء مصر، ولعبت دوراً تاريخياً في نشر الثقافة والمعرفة بمفهومها العام والشامل في البلاد، وأحدثت تحوّلاً هائلاً في الوعي الثقافي، والخروج بالثقافة من أسر المركزية وحدود القرية، إلى براح الريف والقرى والنجوع، لتصبح قضية الثقافة بحق قضية وطنية عامة تضم الشعب بأسره.

كذلك لعب عكاشة دوراً كبيراً في إنقاذ آثار النوبة، ومعبد أبو سمبل، ومعبد فيلة من الغرق أثناء بناء السد العالي، حيث خاض ثروت عكاشة بفضل شبكة علاقاته الدولية الواسعة، حملة ضارية حول العالم، لإنقاذ هذه الآثار، والتي تكللت بالنجاح بإنقاذ ونقل تلك الآثار بالتعاون مع اليونسكو.

في مذكراتها عن هذه الفترة، تقول الباليرينا الأولى في مصر، الدكتورة ماجدة صالح، والمدير السابق لدار الأوبرا المصرية: “لقد كان ترسيخ فن الباليه الكلاسيكي في بلادنا، والذي يعدّ من أبجديات التقاليد الثقافية الغربية الرفيعة، إحدى اللبنات الأساسية في مخطط واسع، حيث تم وضع تصوّر وتطوير للمخطط العام للنشاط الثقافي برعاية الدولة من قبل الوزير ثروت عكاشة. كان هدفه الشروع والحفاظ على نهضة ثقافية قويّة مستدامة، تحمل في طياتها تطلعات أمتنا الناشئة، مصر الحديثة والعالمية.”

وتتابع صالح: “من هنا كان أحد الإنجازات البارزة للوزير في مجال فنون الأداء هو تأسيس أكاديمية الفنون، وهي في حد ذاتها مؤسسة ذات أبعاد ضخمة، وقد توّجت مساعيه بإنشاء المؤسسة الكبرى والفريدة بمرسوم رئاسي، صدر في 28 أغسطس عام 1969، أي بعد عقد واحد من تأسيسها وفقا لما كتبه في (ذكرياتي في السياسة والثقافة)، لتصبح هذه الأكاديمية حجر الزاوية لخطة طويلة المدى لوزارة الثقافة”.

لقد أصدر الوزير ثروت عكاشة، في أوائل عام 1967، أوامره بإرسال فرقة باليه القاهرة إلى أسوان، أثناء بناء السد العالي، لتقديم الباليه الروسي “نافورة باختشي سراي”، لمؤلفه الموسيقي، بوريس أسافييف، المأخوذ عن قصة شاعر روسيا العظيم، ألكسندر بوشكين، بعد نجاحه الساحق في القاهرة. كان ذلك “مشروعاً جريئاً” وفقاً لماجدة صالح التي كتبت: “كنّا نتخوف ألّا يتفهمنا مواطنونا المحافظون في صعيد مصر، فهل نتعرض للإهانة عندما يواجه أهل الصعيد هذه المشاهد الراقصة الغريبة لفن الباليه؟

تم تقديم الباليه في ظروف مرتجلة، في قصر الثقافة المؤقت، وهو سينما إقليمية معدّلة، وهي جزء من شبكة قصور وبيوت الثقافة التي أنشأها الوزير. وللمفاجأة السارة، كان الأهالي مفتونين بالعرض، حتى أصبحنا وقتها نجوم المدينة، واحتفى بنا أهلها في جميع أنحاء الشوارع. تم تمديد الموسم القصير، وقدمنا عروضاً إضافية، وحينما انتهت، صحبنا جميع سكان المدينة إلى محطة السكة الحديد بأسوان، واصطفوا في مسارات ليلوّحوا لنا بالوداع والأسف على فراقنا”.

2021-02-18