لأول مرة .. رئيس الجمهورية يزور الكاتدرائية في «عيد الميلاد»
https://www.facebook.com/video.php?v=789987707723361&set=vb.134182989970506&type=2&theater
«كان ضروري إن أنا أجيلكم علشان أقول لكم كل سنة وانتم طيبيبن، وأرجو ألا أكون قطعت صلاتكم.. فمصر على مر آلاف السنين علمت العالم الحضارة والإنسانية، والعالم منتظر الكثير من مصر في الأيام والظروف التي تمر بها»..
بهذه الجملة ستؤرخ جدران الكاتدرائية بالعباسية زيارة عبدالفتاح السيسي، أول رئيس منتخب في مصر، لتقديم التهنئة لأقباط مصر، عشية احتفالهم بعيد الميلاد 2015.
ورغم اقتصار الزيارة على دقائق معدودة، وجُمل تكاد تكون مقتضبة، إلا أن هذه الكلمات وتلك الزيارة ستتركان صديين لن يتم محوهما من التاريخ السياسي المصري الحديث، مهما حدث، بل وقد يتخذهما البعض مرجعًا للتنكيل بأي رئيس مصري تنتهي مدته دون زيارة الكاتدرائية في عيد الميلاد.
أما الصدى الأول، فهو صدى صوت السيسي الذي ستحتفظ به جدران الكاتدرائية ويوجه التهنئة إلى كل أقباط مصر من الكاتدرائية، ويقف بجواره البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك القرازة المرقسية، قائلًا: «من المهم أن الدنيا تشوف المصريين، ومينفعش حد يقول غير كلمة المصريين، نحن قادرون أن نعلم العالم الإنسانية والحضارة، ومن المهم أن ينظر العالم إلى هذا المشهد الذي يعكس وحدة المصريين الحقيقية، ونؤكد للعالم من هنا أننا جميعًا مصريون فقط، وسيحب بعضنا البعض بجد دون أي تفرقة لأن هذه حقيقة المصريين».
أما الثاني فهو صدى الزيارة نفسها، محليًا وعالميًا، وما سيكون لذلك أثر، خاصة مع الدول التي دائمًا ما تتخذ من اضطهاد الأقباط كذريعة للتدخل في شؤون مصر، يساعدهم في ذلك بعض أقباط المهجر غير الأوفياء لموطنهم الأصلي.
علاقة الكاتدرائية برؤساء مصر شهدت شدًا وجذبًا، منذ سقوط الملكية وإعلان الجمهورية، علنيًا أحيانًا، وخفيًا معظم الوقت، جمال عبدالناصر على سبيل المثال، وباعتباره أول رئيس مصري بعد إعلان الجمهورية، كان يعرف قيمة الكنيسة المصرية ومكانتها الروحية بالنسبة لمسيحيى الشرق، خاصة إثيوبيا التي تمثل أهمية استراتيجية لمصر، والتى كانت كنيستها تابعة للكنيسة المصرية.
تجسدت فكرة إنشاء كاتدرائية كبرى جديدة تليق بوضع مصر وكنيستها التي يتبعها ملايين المسيحيين في الشرق لدى جمال عبدالناصر، بعد ثورة يوليو حينما أصبحت مصر ورئيسها محطا لأنظار العالم بقراراته الثورية ومشروعه للوحدة العربية، والتى سبقها مشروع واضح المعالم للوحدة بين مسلمى مصر ومسيحييها، وهو ما عمق هذا المشروع الصداقة الشخصية التي ربطت بين الزعيم السياسى جمال عبدالناصر ورأس الكنيسة القبطية البابا كيرلس السادس.
في هذه الفترة صارح البابا كيرلس الرئيس عبدالناصر بفكرة بناء كاتدرائية جديدة، ورحب «ناصر» بالفكرة وخصص ١٠٠ ألف جنيه للبناء.
استهل «عبدالناصر» خطابه للكنيسة والشعب في ٢٤ يوليو ١٩٦٥ أثناء وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية الجديدة بحى العباسية قائلا: «أيها الإخوة: يسرنى أن أشترك معكم اليوم في إرساء حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة. وحينما تقابلت أخيرًا مع البابا في منزله فاتحته في بناء الكاتدرائية، وأن الحكومة مستعدة للمساهمة في هذا الموضوع. ولم يكن قصدى من هذا المساهمة المادية فالمساهمة المادية أمرها سهل وأمرها يسير، ولكنى كنت أقصد الناحية المعنوية»، حسب نص الكلمة التي سجلها موقع الرئيس جمال عبدالناصر بمكتبة الإسكندرية. وفى حفل افتتاح الكاتدرائية يوم الثلاثاء ٢٥ يونيو ١٩٦٨ كانت الكاميرات تلتقط صورا للبابا كيرلس بين الزعيم جمال عبدالناصر والإمبراطور هيلاسلاسى إمبراطور إثيوبيا، لتسجل الزيارة الثانية لعبدالناصر إلى المقر البابوى.
٣ سنوات مرت ورحل عبدالناصر ولحق به البابا كيرلس السادس، وصعد لسدة الكرسى البابوى البابا شنودة الثالث، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومرت سنوات من الصراع المكتوم بين الطرفين حتى جاءت الزيارة الأولى والأخيرة للسادات إلى الكاتدرائية وسجلتها عدسة المصور فاروق إبراهيم، في صورة منشورة بتاريخ ١٢ أكتوبر ١٩٧٧. ظهر فيها البابا شنودة وهو يؤدى صلاته بالتزامن مع صلاة الظهر التي أداها الرئيس السادات ونائبه وقتها حسنى مبارك، وممدوح سالم، رئيس الوزراء آنذاك.
السادات لم يزر الكاتدرائية مرة أخرى حتى جاءت قرارات سبتمبر التي حدد فيها السادات إقامة البابا وسحب التصديق على قرار تعيينه كبابا للكنيسة الأرثوذكسية، وعين لجنة من ٥ أساقفة لإدارة شؤون الكنيسة، قبل أن تنتهى الأزمة عقب اغتيال السادات في أكتوبر ١٩٨١.
بمرور الوقت تغيرت العلاقة بين رأس الدولة ورأس الكنيسة، حتى انتهت في عهد الرئيس المعزول حسنى مبارك بأن أصبح الملف القبطى في يد جهاز أمن الدولة، ولم يزر الكنيسة إلا مرتين لتأدية واجب العزاء.
المرة الأولى التي زار فيها مبارك الكاتدرائية كانت لحضور قداس الجنازة في يناير عام ٢٠٠٠، لتأدية واجب العزاء في الفريق فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثانى الميدانى في حرب أكتوبر، والزيارة الثانية كانت في قداس جنازة المستشار حنا ناشد عضو المكتب السياسى للحزب الوطنى المنحل، ورئيس مجلس الدولة الأسبق وذلك بمقر الكنيسة الأرثوذكسية بالكاتدرائية بالعباسية يوم ٢٠ ديسمبر ٢٠٠٦، بصحبة لفيف من رجال الدولة وأعضاء الحزب الوطنى المنحل.
قامت الثورة بآمال أن يغير أول رئيس مدنى منتخب علاقته بالكنيسة المصرية، لكن العام الذي تولى فيه محمد مرسى حكم مصر قبل أن يتم عزله في ٣ يوليو ٢٠١٣ لم يشهد أي زيارة تزامنا مع فتاوى أطلقتها التيارات الإسلامية التي ينتمى لها المعزول، بشقيها السلفى والإخوانى، بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، قبل أن يبادر الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور بأول مبادرة لرئيس مصرى لتقديم التهنئة إلى المسيحيين في عيد الميلاد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
المصدر: وكالات