وزير الأوقاف: الأطباء والأطقم الطبية في المستشفيات كالمرابطين بالمعارك
أكد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، أن الأطباء والطواقم الطبية في المستشفيات كالمرابطين في ميدان المعارك، وأن من أعظم الأعمال في العشر الأواخر من رمضان التوسعة على المحتاجين.
وتحدث وزير الأوقاف اليوم الجمعة خلال لقائه الأسبوعي في “حديث الساعة”، في إطار إلقاء الضوء على تحديات واقعنا المعاصر، والعمل على خلق حالة من الوعي الرشيد المستنير عن بعض جوانب الكمال والجمال البياني والأسلوب البياني والبلاغي في القرآن الكريم، موضحا أن من أوجه الجمال والكمال في القرآن الكريم، الحديث عن عصا سيدنا موسى (عليه السلام) ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى”، ولو اقتصر سيدنا موسى (عليه السلام) على قوله : “هي عصاي” لكفى، ولكنه جاء بالمزيد لتعرضه لفضل الله وكرمه، يقول سبحانه :” قال ألقها يا موسى ، فألقاها فإذا هي حية تسعى”، هذا في سورة ” طه ” بينما في سورة الأعراف قال الله (عز وجل) : ” فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين”، وعبر النص القرآني بالحية مرة وبالثعبان مرة أخرى، مع أن الثعبان معروف بضخامته، والحية معروفة بصغرها ودقتها، يقول النابغة الذبياني: فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع.
وأضاف وزير الأوقاف: لكن ..كيف نجمع بين النصين، قال بعض المفسرين: جعلها الله مرة حية ومرة ثعبانا، ولكن في الموقف والمشهد جاء سحرة فرعون كما عبر النص القرآني :” فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين، قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين” ، فالساحر لا يستطيع أن يقلب الحقائق، ولا أن يغير الواقع، ولا أن يحول الأمور عن أصولها، ولا أن يحول التراب ذهبا، ولا التراب نقودا، أو يأتي بأمور على خلاف الحقيقة، ولو كان السحرة قادرين على قلب الحقائق، وتحويل التراب ذهبا ما طلبوا من فرعون أجرا، ولما كان اللقاء بينهم، ” قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى”، ويقول سبحانه :” قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين” ، فالقسمة المنطقية في اللغة إما أن تلقي وإما أن نكون نحن أول من ألقى، فكأنهم يقولون: يا موسى إن كنت متمكنا فدعنا لنلقي أولا، واترك لنا الفرصة أن نلقي أولا، فالتخيير شكلي لا حقيقي، مخافة أن يبغتهم سيدنا موسى (عليه السلام) بما لا قبل لهم به “قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى”، ” قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، أي في بابه :” فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى” ، حينما ألقى السحرة ملأوا المكان بالعصي والحبال التي تخيلها الناس كأنها ثعابين وحيات ، ويأتي الإعجاز في كونها ” ثعبان ، حية ” حيث إن الثعبان ضخم يفزعك منظره من أول وهلة ، ولكن كلما كان الشيء ضخما كلما كانت حركته بطيئة، فيظن الإنسان أنه قادر على الإفلات من هذا الثعبان لضخم حجمه، أما الحية كلما كانت دقيقة الحجم كانت كثيرة السم، غير أن حجمها الصغير قد يستخف به، لصغر حجمها، لكن سيدنا موسى (عليه السلام) حينما ألقى عصاه، كان هنا الإعجاز كما يذكر أهل العلم، حيث ظهرت في ضخامتها كأكبر ثعبان لم يتخيلوه، بينما في خفتها كانت حية في سرعتها، فتأكدوا أن ما جاء به سيدنا موسى (عليه السلام) لا يمكن أن يكون سحرا ولا يدخل في السحر، “فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى”، وهذا من جوانب العظمة في النص القرآني.
وأكمل وزير الأوقاف حديثه قائلا: ومن جوانب الإعجاز البلاغي والبياني ما يتضح في قصة سيدنا زكريا (عليه السلام) في سورة مريم : “قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا”، بينما قال سبحانه في سورة آل عمران: “قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا”، فعبر في سورة مريم بالليالي، وعبر في سورة آل عمران بالأيام، يقول أهل العلم والواقع التاريخي يؤكد أن أيام العرب ولياليهم هجرية تبدأ بالليالي، فمثلا في استقبال شهر رمضان نرى هلال رمضان فنبدأ بصلاة القيام بأول ليلة من رمضان، فالليلة تسبق اليوم، ومع نهاية هذا الشهر نرى هلال شهر شوال فنختم بالصيام وينتهي قيام رمضان، والعلاقة أن الليالي في لغة العرب تسبق الأيام، وسورة مريم (عليها السلام) مكية وسورة آل عمران مدنية، أي أن سورة مريم (عليها السلام) سابقة في النزول على سورة آل عمران، فعبر النص القرآني بالليالي في سورة مريم التي هي سابقة في النزول للسابق في الزمن، بينما في سورة آل عمران اللاحقة في النزول عبر بالأيام اللاحقة في الزمن، فجعل اللاحق للاحق والسابق للسابق.
وتابع وزير الأوقاف قائلا : إن وجه الإعجاز البياني والبلاغي في قوله تعالى: “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”، لا كما تفعل الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تستحل الدماء، وتقتل إرهابا أو تفجيرا أو تدميرا أو تخريبا، “أنه من قتل نفسا”، أي نفس، لم يقل: نفسا مسلمة أو غير مؤمنة، وإنما قال سبحانه: ” أنه من قتل نفسا” جاءت كلمة نفس منكرة لتفيد العموم، ثم يأتي الجزء الثاني” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” ونحن نعلم أن قضية إحياء الموتى أمره إلى الله وحده، صحيح أن الله تعالى أجرى معجزة إحياء الموتى لسيدنا عيسى (عليه السلام) وارتبطت بحياته وزمنه ولم يبق أمر الإحياء إلا بأمر الله وحده، فهو وحده الذى يحيي ويميت، فقضية إحياء الموتى ليست لأحد إلا لله وحده، الجانب الآخر من وفر لها سبل الحياة كالأطباء الذين يقومون الآن مقام المرابطين في المستشفيات لعلاج المصابين بفيروس كورونا أو بغيره، هؤلاء الذين يعملون بكل ما أوتوا من قوة يساعدون على بقاء النفس على قيد الحياة سواء بالعلاج أو بالدواء أو غيره ” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا “، أيضا من يوفر لها شربة ماء نقية، أو مقومات الحياة ، ككل من يعمل على توفير مقومات الحياة الأساسية التي يحيا بها الناس والتي لا غنى عنها لإقامة شئون الحياة ، مؤكدا معاليه أنه شتان بين القتلة الخونة العملاء المجرمين الإرهابيين الذين يسفكون الدماء ويقتلون النفس بغير حق وبين من يدافعون بعزة وشرف عن أوطانهم ، وعرضهم ، وكرامتهم في كل ميادين الدفاع ، ومن يعملون ويجدون ويجتهدون لتوفير الحياة الكريمة للنفس البشرية.
كما أوضح وزير الأوقاف، جانبا مشرقا من حياة سيدنا يوسف (عليه السلام) في الصفح، لا سيما وأننا في هذه الأيام الطيبة الكريمة أيام التسامح في هذا الشهر الكريم، حيث يقول الحق سبحانه: ” فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ” فمصر بفضل الله تعالى ستظل أمنا أمانا محفوظة بحفظ من قال في حقها: ” ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين” وذكر بعض الكتاب من غير المصريين: أن مصر ظلت لآماد طويلة وأزمنة عديدة باب خير لأهلها والمقيمين بها وزائريها، لكثرة خيراتها ومحسنيها، وكثرة أوقافها على مدار التاريخ، يقول تعالى “ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا”، حيث حيوه بتحية الملوك وخروا له سجدا، سجود تحية وليس سجود عبادة ، حيث إنها كانت التحية المتعارف عليها في زمن يوسف (عليه السلام) ” وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ” عندما نرتب الأحداث في هذه الآية نجد أن سيدنا يوسف (عليه السلام) قد بدأ بقوله : ” وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ” فترتيب الأحداث على أرض الواقع ما كان من إخوته (عليه السلام) عندما ألقوه في الجب ، وجاءوا على قميصه بدم كذب ، وأرادوا التخلص منه، ثم بعدما اشتراه العزيز وكان ما كان ، من دخوله السجن لاحقا لما حدث من إخوته. وأضاف وزير الأوقاف ، لكن ترتيب النص القرآني جاء عكس ما حدث في الواقع ، فبدأ مع سيدنا يوسف ( عليه السلام ) بقضية الخروج من السجن ، ولم يبدأ بما أنجاه الله به من كيد إخوته، ذلك لأن سيدنا يوسف (عليه السلام ) كان في لحظة صفاء وتصاف مع إخوته، فبدأ بالخروج من السجن لأن إخوته لا دخل لهم فيه، ولم يكونوا طرفا في دخوله السجن، فبدأ بنعمة أنعم الله بها عليه وخلصه من الشدة، ثم قال: “وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي”، ولم يقل: أخرجني من الجب بعدما ألقيتموني فيه، فجعل ما حدث مجرد نزغ من الشيطان وليس في الأصل بعلاقته مع إخوته، وكأنما يقول: تصافينا تمام التصافي، وتسامحنا تمام التسامح، وأصبحنا أبناء اليوم، فالصفح الجميل وهو الذي لا من معه ، وهو ما تحلى به سيدنا يوسف ( عليه السلام )، من هنا نوجه رسالة ونحن في هذه الأيام الطيبة أن نتحلى فيها بالصفح ، والعفو ، وصلة الرحم ، والتجاوز عن الهفوات ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ” من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه لم يرد علي الحوض”، ويقول الشاعر: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه * وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب.
وأكد وزير الأوقاف ، أن من العادات الإسلامية والإنسانية الجميلة التي نشأنا وتربينا عليها وألفها الشعب المصري العظيم الأصيل أنه إذا دخل عليهم شهر رمضان كان التصالح والتسامح والمودة والعفو عن الهفوات وصلة الأرحام، وكلما دخل رمضان ودخلنا فيه تعمقت هذه المعاني، خاصة في هذه الأيام التي نؤكد فيها على ما كان من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقد كان كما وصفته أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) إذا دخل عليه العشر الأواخر أحيا ليلها بالقيام ، وبالذكر ، وبقراءة القرآن وبكل أنواع الطاعات ” أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ” ، فيكفي أن نعلم أن في هذه الأيام ليلة خير من ألف شهر وهى ليلة القدر ، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وهذا أوان الزكاة والصدقة والدعاء وقراءة القرآن وقيام الليل وصلة الأرحام والتسامح ، وصدقة الفطر فمن لم يخرجها إلى الآن فعليه أن يبادر بإخراجها حتى تغني الفقراء والمساكين قبل دخول العيد ، يقول صلى الله عليه وسلم :” أغنوهم في هذا اليوم”، لأن الفقير والمسكين يحتاج إلى ترتيب أموره وقضاء حوائجه قبل دخول العيد عليه ، فلنوسع على الفقراء والمساكين بإخراج الزكاة وبالصدقات العامة وبصدقة الفطر وبالإحسان إليهم ، قال تعالى: ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”.