اسمعنا اون لاين
إستطلاع رأي
مع ذكرى رحيل الجنوبي.. الأبنودي يغيب عن زيارة قبر صديقه أمل دنقل لأول مرة بعد تنفيذ وصيته
لم يكن يذكر الشاعر أمل دنقل، الذي تحل ذكرى رحيله اليوم 21 مايو، في قصيدته الجنوبي صديقه الراحل القاص يحيى الطاهر عبد الله فقط؛ فقد كان يذكر كل رفقاء صباه في الصعيد، الذين رحلوا قبله، والذين سيرحلون من بعده أيضًا.
كان عبد الرحمن الأبنودي هو الصديق الذي نفذ وصية الدفن في المقبرة في نفس الاتجاه الذي أخبره به أمل دنقل في الغرفة 8 بمستشفي الأورام:
“أولئك الغامضون: رفاق صباي
يقبلون من الصمت وجهًا فوجهًا
فيجتمع الشمل كل صباح
لكي نأتنس.”
الأبنودي الذي لحق بصديقه أمل دنقل بعد مرور 32 سنة من وفاته لم يتخلف لحظة عن التواجد في مقبرة قرية القلعة بقفط التي شهدت مولد أمل ومدفنه إلا حين أنهكه المرض فلم يستطع أن يمارس عاداته مع صديقه كي يجتمع الشمل فيأتنس الاصدقاء.
الموت جعل الأبنودي غائبًا للأبد في الذكرى 33 لرحيل أمير شعراء الرفض، وإن كانت باقية الصور التذكارية التي رصدت وقوفه أمام قبر صديقه وبقيت ذكرياته في المنزل الطيني بالقلعة والمغلق الآن والذي كان يضم حواراتهما العديدة.
يكشف أنس دنقل، الشقيق الأصغر لأمل دنقل، في تصريح لـ”بوابة الأهرام” أن عبد الرحمن الأبنودي قام بتنفيذ وصية شقيقه وهو أن يدفن في مكان بالقرب من قبر والده، وكان يتخذه الأهالي مصلى لتأدية فروض الصلاة، مضيفًا أن الأبنودي هو الذي أشرف على تنفيذ الوصية حتى استقرار جسد صديقه بمثواه الأخير.
عاش الأبنودي لمدة سنة متواصلة يقوم بالتردد على المستشفي الذي يقبع فيه صديق الصبا أمل دنقل حتى تم وصفه من خلال الشقيق أنس بأنه “صاحب واجب” لم ينس رفيقه حيًا أو ميتًا، ولم ينس أن المحبة قدر ووراثة؛ فوالده الشيخ محمود الأبنودي صديق والد أمل، كان لا ينسى صديقه أيضًا.
بعد مرور عدة سنوات وصل الأبنودي للفلسفة الكبرى في سر الحياة والموت فصدح في قصيدته “العمة يا منة” بهذه الفلسفة:
“إن جاك الموت ياوليدي موت على طول
اللي اتخطفوا فضلوا أحباب
صاحيين في القلب كإن ماحدش غاب”.
في مفارقة عجيبة عاش والد الأبنودي ومات شيخًا في سبعينيات القرن الماضي، بينما صديقه والد أمل دنقل مات صغيرًا في الخمسينيات، تاركًا أولاده الصغار يتجرعون مرارة اليتم، ومنهم أمل الذي مات أبوه ولما يبلغ العاشرة من العمر بعد.
“حين كان يريد الأبنودي كتابة قصيدة عن صديقه أمل دنقل بعد مماته يراه أمامه ضاحكًا وساخرًا منه فيكف عن الكتابة ويبعد عنه الأوراق والأحبار”.
هكذا يقول أنس دنقل، لافتًا إلى أن الأبنودي لم يكتب عن صديقه إلا متأخرًا، وقبل وفاته بفترة ليست بالطويلة.
“صاحَ بي صاحبي
وهو يُلْقى بدرهمهِ في الهَواء
ثم يَلْقُفُهُ(خَارَجيْن من الدرسِ كُنّا.. وحبْرُ الطفْولةِ فوقَ الرداءْ)
والعصافيرُ تمرقُ عبرَ البيوت
وتهبطُ فوق النخيلِ البعيدْ!)
“ملِك أم كتابة؟”.
كان الأبنودي يضع مقتطفات من قصيدة “أوراق أبو نواس” لصديقه أمل دنقل تذكارًا في مفتاح سيارته، هذا ما يؤكده أنس دنقل، لافتًا إلى أن الاتفاق بين الأصدقاء في القاهرة كان أن يكتب الأبنودي بالعامية وأن يكتب أمل بالفصحى، وهو الاتفاق الذي سار عليه الصديقان على مدار حياتهما حتى مماتهما.
وأضاف: لم يكتب أمل دنقل بالعامية إلا حين كان مجبرًا على أن يؤلف أغنية للفنانة عفاف راضي ويقوم بتمصير مسرحية باللغة العامية، لافتًا إلى أن الاتفاق كان سائرًا بين الأصدقاء الثلاثة أيضًا، القاص يحيى الطاهر عبدالله وأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي؛ لمنع التنافس بينهم.
كان الأبنودي رفيق أمل دنقل في مدرسة قنا الثانوية، يكبر دنقل، الذي اختار أن يلتحق بالقسم العلمي بخلاف صديقه الأبنودي الذي التحق بالقسم الأدبي، بعامين، إلا أنه مات في نفس شهر ميلاده في شهر أبريل كما يقول أنس دنقل، لافتًا إلى أن الأبنودي كان لا يكف عن الاتصال التليفوني به وبكل أصدقائه حتى مماته، وعدم حضوره لمقبرة صديقه التي قام بتنفيذ وصية الدفن فيها في نفس الاتجاه الذي طلبه منه صديق الصبا.