قضاة ورجال قانون: لا تمييز في المحاكمات بين متهمي نظامي مبارك ومرسي..والتدخل في العدالة مرفوض
أ ش أ
أكد رجال وأساتذة خبراء القانون أن محاولات بعض الدول والجهات الخارجية التدخل في شئون العدالة وسيرها بمصر, تمثل تدخلا غير مقبول في الشأن الداخلي وسيادة الدولة المصرية ومؤسساتها الدستورية.. مشددين على أن المتهمين في قضايا جنائية منظورة أمام المحاكم يعاملون على قدم سواء, دون أدنى تمييز بين المتهمين بارتكاب جنائية سواء من رموز عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك أو من رموز فترة حكم جماعة الإخوان.
وقال رجال القانون والقضاة لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن محاكمات المتهمين بارتكاب جرائم جنائية, بمن فيهم رأسا النظامين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي رئيسا الجمهورية السابقين, تجري أمام القضاء العادي الطبيعي, وليس أمام قضاء استثنائي أو قضاء ثوري, فضلا عن أن القانون يكفل للمتهم حق المحاكمة المنصفة العادلة والدفاع عن نفسه, والطعن في الأحكام.
وقال المستشار جمال القيسوني رئيس محكمة جنايات القاهرة إن جميع المحاكمات التي تجري, تخضع لقانون الإجراءات الجنائية الذي يعطي الحق للمحكمة في أن تحقق في القضية المطروحة عليها منذ بدايتها وحتى نهايتها, وصولا لوجه الحقيقة في الدعوى, وذلك على الرغم من كون النيابة تتولى مسألة التحقيق.. مشيرا إلى أن المحاكم تقوم بالاستماع إلى جميع الشهود, نفيا وإثباتا, وتجري المعاينات اللازمة إذا تطلب الأمر ذلك بالانتقال إلى المواقع التي ترتكب فيها الجرائم, ويتم الاستماع إلى طرفي الدعوى الرئيسيين (النيابة والدفاع) وتحقيق طلبات دفاع المتهم والاستجابة إليها.
وأكد المستشار القيسوني أن كافة الإجراءات والتدابير التي تقوم بها المحاكم بغية تحقيق العدالة, تأخذ وقتا ليس بالقصير بطبيعة الحالة, مشيرا إلى أنه أثناء المداولة بين القضاء إذا تبين أن المتهم قد ارتكب فعلا الجرم المسند إليه, فيتم أخذ الرأي في هذا الأمر بأغلبية آراء أعضاء هيئة المحكمة, وفي حالة توقيع عقوبة الإعدام لابد من إجماع الآراء, واستطلاع رأي فضيلة مفتي الديار المصرية لأخذ الرأي الشرعي فيما هو منسوب للمتهم.
وأضاف أنه في أعقاب انتهاء المحاكمة الأولى, يكون باب الطعن مفتوحا خلال الفترات القانونية, أمام طرفي الدعوى, سواء بالطعن من قبل النيابة العامة على براءة المتهمين, أو طعن المتهم على الحكم بإدانته, وحينما تنظر محكمة النقض الطعون للمرة الأولى, فإنها تبحث في مدى سلامة تطبيق الحكم للقانون, ولها أن تقبل الطعن أو ترفضه, وفي الحالة الأخيرة تعاد المحاكمة من جديد أمام دائرة محكمة أخرى غير التي أصدرت الحكم, وتكون المحاكمة من جديد دونما الالتفات إلى الحكم السابق, فإذا انتهت إلى إصدار الحكم, سواء بالإدانة أو البراءة, يكون الطعن للمرة الثانية والأخيرة أمام محكمة النقض, والتي تقوم بفحص الدعوى بصورة كاملة وتحققها بالكامل, وتصدر فيها حكما باتا ونهائيا.
وأوضح المستشار القيسوني أن كل هذه الإجراءات حددها القانون وتتم لكل متهم في جناية, ودون أدنى تمييز أو محاباة لأحد.. مشددا على أنه ومن واقع متابعته, فإنه يجد أن الرئيسين السابقين مبارك ومرسي, يعاملان شأنهما شأن أي متهم في قضية معروضة على محكمة الجنايات.
وأكد أن القضاء في مصر هو قضاء مستقل يطبق أحكام القانون الذي لا يعرف المحاباة.
وأشار إلى أنه بالنسبة للقضايا المتهم فيها أعضاء بجماعة الإخوان, فهي لا تزال متداولة ومحل تحقيق, ولا يجوز لأحد أن يتدخل فيها بالتعليق أو التعقيب.. مؤكدا أن القضاة يستجيبون لكافة طلبات دفاع المتهمين جميعا دونما النظر إلى صفاتهم.
وأعرب المستشار القيسوني عن رفضه واستنكاره الكامل لأية محاولات للتدخل أو التأثير على السلطة القضائية في مصر, سواء من الداخل أو الخارج ومن أي كائنا من كان.. وقال : “نحن لا نتدخل في القضايا والمحاكمات بالدول الأجنبية أيا كانت هذه الدول, فكيف للغير أن يتدخل في عمل المؤسسة القضائية.. هذا أمر غير مقبول من أي شخص أو جهة أو مؤسسة أو دولة”.
من جانبه, قال المستشار الدكتور مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض, إن القانون يمنع ويحظر تماما أي محاولة للتدخل أو التأثير على القضاة والمحاكم من أي جهة أيا كانت, وأن قانون العقوبات وضع عقوبات لمثل هذه الجرائم بصرف النظر عن هوية أو صفة مرتكبها.. مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بتنفيذ العقوبات التي تصدرها المحاكم, فإن هذا الأمر جزء من سيادة الدولة.
وأوضح المستشار سعد الدين أن تنفيذ الأحكام هو واجب أقره الدستور وألزم الدولة به, مشددا على أنه لا يملك أحدا أن يتدخل في قضية معروضة على محكمة أو محل تحقيق لدى النيابة العامة, وأنه لا يمكن لأي قاض أو عضو بالنيابة العامة أن يقبل هذا الأمر مطلقا.
وأضاف أن مبدأ الفصل بين السلطات, وضع خصيصا لمنع التداخل بين أعمال السلطات, وهو مبدأ دستوري مستقر, مشيرا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قال بنفسه في عدة مناسبات إنه لا تدخل في أعمال السلطة القضائية.
وأشار إلى أن الادعاء بوجود تدخل في شأن المحاكمات التي تجري بالنسبة للمتهمين بارتكاب جرائم من أعضاء جماعة الإخوان هو إدعاء كاذب لا يدعمه أي دليل, خاصة وأن المحاكمات في الوقائع الرئيسية لا تزال مستمرة منذ شهور طويلة ولم يتم الفصل فيها بأحكام حتى الآن, وأن هذه القضايا في معظمها في طور المحاكمات, وأن تلك المحاكمات تجري في إطار من القواعد والإجراءات العادية والقوانين المعمول بها في مصر, شأنها في ذلك شأن أي متهم في جناية.
وأكد المستشار سعد الدين أن القضاة أنفسهم لا يقبلون أي تدخل في عملهم من أي سلطة, مستشهدا في ذلك بالمعركة التي خاضها القضاة دفاعا عن استقلالهم في أعقاب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي للمستشار الدكتور عبد المجيد محمود من منصبه كنائب عام, وانتفاضة القضاة ضد هذا العدوان والتغول على السلطة القضائية.
من جهته, أكد المستشار إسماعيل حمدي رئيس محاكم الجنايات وأمن الدولة العليا وعضو مجلس القضاء الأعلى سابقا أن ما يثار من انتقادات موجهة للقضاء المصري, مرجعه عدم الفهم والإلمام بالنظام القضائي, وقصور دور الإعلام في إيضاح حقيقة الأمور.. مشيرا إلى أن أبرز مثال على ذلك الأمر ما نشر من مواد إعلامية حول الأحكام الغيابية الصادرة بالإعدام, حيث تصور الغالبية أنها أحكام جنائية نهائية وأن المتهمين فيها على شفا الإعدام, رغم مخالفة ذلك لحقيقة الأمور وصريح أحكام قانون الإجراءات الجنائية في مادته رقم 395 التي تنص على أن إذا حضر المحكوم عليه غيابيا أو قبض عليه, فإنه تحدد جلسة لمحاكمته, ولا تسقط العقوبة إلا حضر.
وأشار المستشار حمدي إلى أن المشرع المصري وضع نظاما متكاملا للطعن في الأحكام جميعها بكافة درجاتها, وأن القضاء المصري بصفة عامة, والقضاء الجنائي بصفة خاصة, هو نظام قضائي متكامل, وتتمتع السلطة القضائية وفقا للنصوص الدستورية بالاستقلال التام, وأن التدخل في شئون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم.
وأضاف أنه بمقتضى الدستور فإن القاضي غير قابل للعزل, ويمثل هذا الأمر من استقلال وحصانة حماية للحقوق والحريات.. حيث لا يجوز لأي سلطة أو شخص ما في الدولة أن يصدر للقاضي تعليمات أو توجيهات في شأن دعوى معروضة عليه تحدد له أسلوب نظرها أو نوع أو فحوى الحكم الذي يصدر فيها, وإنما يترك ذلك لضمير القاضي, وهو الأمر الذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته العاشرة في أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر القضية أمام محكمة مستقلة نزيهة, نظرا عادلا للفصل في حقوقه والتزاماته وأي تهمة جنائية توجه إليه.
وأكد أن القانون أباح الطعن في الجنايات, فإذا ما صدر حكم على المتهم فهو قابل للطعن عليه بطريق النقض, فإذا كان صحيحا أيدته محكمة النقض وإذا كان معيبا أعادته لدائرة أخرى لتحكم فيه مجددا ويكون الحكم الصادر من دائرة الإعادة قابلا أيضا للطعن للمرة الثانية, فإذا كان صحيحا أيدته محكمة النقض وإذا كان معيبا تصدت محكمة النقض بنفسها لموضوع القضية والتحقيق فيها منذ بدايتها وبرمتها.
وتساءل المستشار إسماعيل حمدي “هل يعاب على القانون الذي أعطي المتهمين كل هذه الضمانات “.. ونفى المستشار حمدي أن يكون هناك ثمة تمييز في معاملة متهمين عن بعضهم البعض في المحاكمات, سواء الرئيس الأسبق مبارك أو من تلاه مرسي.. مؤكدا أن المتهمين جميعا سواء أمام المحاكم, وأن القضاة على مسافة واحدة من الجميع.. موضحا أن النظام القضائي المصري يكفل للقاضي استقلالا مطلقا بمنأى عن الأحزاب السياسية والمجالس النيايبة والسلطة السياسية برمتها, ويجعل من يشغل منصب القاضي دائما مرهون بشروط لاستمراره في العمل, ويقوم جهاز التفتيش القضائي بالتحقق دائما من بقاء هذه الشروط والتأكد من كونها متوافرة جميعها في حق القاضي, بما فيها الشروط العلمية والفنية والنزاهة والأمانة, وهي جميعها شروط استمراره في العمل.
من جانبه, أكد الدكتور شوقي السيد المحامي والفقيه الدستوري أن أية مطالبات أجنبية تتعلق بوقائع محل تحقيق أو محاكمات أو إفراج عن متهمين بارتكاب جرائم جنائية, تمثل تدخلا سافرا في الشئون الداخلية المصرية, وتدخلا غير مقبول في أعمال القضاء.. مشيرا إلى أنه طبقا لأحكام القانون الدولي فإنه لا يجوز لأي دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لدولة أخرى ذات سيادة.
وأضاف أنه لا يوجد ثمة تمييز في المحاكمات أو بين متهمين ومتهمين آخرين, ذلك أن القانون والقضاء لا يعرف التمييز أو المحاباة, وأن القضاء المصري يتمتع بالاستقلالية الكاملة وله تراث عريق في هذا الأمر.
وذكر أن جميع المحاكمات تجري أمام القضاء العادي الطبيعي, والذي يطبق أحكام القانون وحيث يحتكم القاضي لضميره والوقائع المعروضة عليه, دونما تدخل من أي فرد أو جهة أو سلطة.. مشددا على أن جميع المحاكمات تجريها سلطة مستقلة مشهود لها بالنزاهة والكفاءة, وأنه لا يرى أي مفارقة أو تمييز من أي نوع بين شخص ينتمي لنظام أسبق وآخر ينتمي لجماعة
وأشار الدكتور السيد إلى أنه منذ عام 1931 تم اعتبار أي محاولة للتأثير أو التدخل في شئون العدالة, هي جريمة ولا تسقط بالتقادم.. لافتا إلى أن السيادة تكون للشعوب, ولا سلطان لأي دولة على دولة أخرى, وأن لكل دولة مؤسساتها الدستورية, وأن التعقيب والتدخل بالتوجيه أو النقد بالنسبة للأحكام القضائية أو إجراءات المحاكمات, هو أمر مرفوض تماما على كافة الأصعدة, وحظرته أيضا المواثيق الدولية التي تقر باحترام سيادة الدول وفقا لمؤسساتها الدستورية, ودستورها وقوانينها وسلطاتها المختصة المسئولة.
وأشار الدكتور السيد إلى أنه لا يجوز لأية منظمة دولية أن تتدخل في أي شأن من الشئون الداخلية لأي دولة, وأن القانون الدولي يوجب على تلك المنظمات الاحترام الكامل للدول وسيادتها.. مشددا على أنه يجب التفرقة بين أعمال السياسة والنظم القانونية.