قبل أيام من دخول جهاز علاج فيروس “سي” الخدمة .. المرضى ينتظرون الأمل .. واختلاف العلماء “لم يعد رحمة”
نقلا عن بوابة الأهرام
باقي من الزمن أيام معدودات، ويظهر أمل جديد في علاج فيروس “سي” في مصر، وفق إعلان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة عن تعميم العمل بالجهاز الذي انتجته لتشخيص وعلاج فيروس “سي” في 30 يونيو.
وعلى الرغم من ذلك، لم تعلن اللجنة التي شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي إبان توليه منصب وزير الدفاع لإعادة تقييم الجهاز عن تقريرها –حتى الآن، ولا تلوح في الأفق بوادر لبدء العلاج به من عدمه، ولم يتم الرد على الانتقادات التي وجهت لهذا الجهاز، واختلف العلماء في آرائهم حوله، بين مؤيد، ومعارض على استحياء، ورافض للحديث عنه، ولكن اختلافهم في هذا الشأن لا يثلج صدور المرضى ولا يرحمهم، بل يزيدهم حيرة.
يقول الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث سابقا لـ “بوابة الأهرام”، أن الضجة الإعلامية والآراء التي توصف بأنها “علمية” حول اكتشاف أجهزة أو عقاقير لعلاج فيروسات الكبد، لا ترقى إلى المستوى العلمي البحثي الذي يجب أن يتمتع به علماء مصر، حتى إن الاختلاف بين العلماء حول قضية بحثية بحتة أخذ منحى سياسي، ولم يأخذ المنحى العلمي في البحث كما هو معروف أو متبع، أو بالأحرى كما كان يجب أن يكون.
وأبدى الناظر استياءه من موقف المستشار العلمي لرئيس الجمهورية السابق حول اكتشاف جهاز القوات المسلحة لعلاج فيروس سي الكبدي، قائلا:” كنت أتمنى أن يتبع الدكتور عصام حجي الأسلوب العلمي في الاختلاف حول القضايا البحثية، ولا يلجأ لإظهار الاختلاف بشكل إعلامي بدلا من البحثي”.
وفيما يتعلق باكتشاف عقار أمريكي لعلاج الفيروس، قال: إنه يجب على من انكروا الجهد المبذول في اكتشاف جهاز الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واستهلكوا وقتا طويلا في محاولة تسفيهه، إعادة النظر في آرائهم، خاصة بعد تخفيض سعر العقار الأمريكي لعلاج الفيروس من تلقاء نفسها، عقب الإعلان عن اكتشاف القوات المسلحة ودون مفاوضات.
وعن الفاعلية بين الأسلوبين في العلاج (الجهاز والعقار) قال الناظر: “إن كلا منهما يعمل بميكانيكية مختلفة عن الآخر ولا يمكن مقارنتهما، ولكن المهم هو وجود أسلوبين لعلاج مرض خطير في مصر، يبلغ عدد المصابين به حوالي 18 مليون نسمة.
وقال الدكتور جمال شيحة أستاذ أمراض الكبد وعضو لجنة تقييم جهاز علاج فيروس “سي” لـ”بوابة الأهرام”، إن تخفيض سعر الدواء الأمريكي لعلاج فيروس “سي” لم يأت نتيجة الإعلان عن أي شيء محلي، أو نتيجة أي قرار داخلي، ولكنه جاء نتيجة مجهودات المفاوضات مع الشركة المنتجة استمرت لمدة عام تقريبا.
ولفت شيحة إلى أنه قد يكون من قبيل الصدفة تخفيض الشركة لسعر الدواء عقب الإعلان عن الجهاز، وما فعلته الشركة الأمريكية المنتجة للدواء ليس بالغريب، وليست المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك، فقد خفضت نفس الشركة علاج “الإيدز” في جنوب أفريقيا من 12 ألف دولار إلى 100 دولار فقط، وهو نهج تتبعه هذه الشركة بإعطائها الدواء بنسبة 1% من ثمنه، للدول التي تحتاجه بثلاثة شروط.
أول هذه الشروط أنها تعطي إنتاجها لدولة واحدة فقط، والثاني أن تكون هذه الدولة فقيرة، والثالث أن يكون المرض فيها وبائي، قائلا: “أن وفد وزارة الصحة الذي تفاوض على سعر الدواء، استطاع إقناع الشركة الأمريكية بالفقر، ووبائية المرض في مصر”.
وأشار شيحة إلى أن الدواء تم اعتماده من هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA)، وقامت الدولة بتجربة العقار في مستشفيات جامعتي القاهرة والمنصورة، ومعهد الكبد، وجاءت النتائج مطابقة لما تم في أمريكا وأوروبا، على الرغم من اختلاف النوع الجيني للفيروس في مصر عن الموجود في أمريكا وأوروبا.
وقال إن فترة العلاج بهذا العقار تمتد لـ 3 أشهر وتتكلف 80 ألف دولار تقريبا في أمريكا وأوروبا، ولكن بعد مفاوضات وزارة الصحة المصرية، انخفضت تكلفة العلاج إلى 800 دولار فقط لنفس مدة العلاج “الكورس”.
وعن جهاز علاج فيروس “سي”، رفض شيحة التحدث عنه، كونه عضوا في اللجنة القائمة على تقييم الجهاز، لافتا إلى أن كل الإجابات حول الأسئلة عن جهاز علاج الفيروس موجودة لدى رئيس اللجنة، والتي سيتم الإعلان عنها فور انتهاء اللجنة من عملها.
ويقول الدكتور نبيل محي عبد الحميد أستاذ بحوث الأورام وعميد كلية الصيدلة جامعة كفر الشيخ، إن اكتشاف جهاز القوات المسلحة لتشخيص وعلاج فيروس “سي” يندرج تحت نوع العلاج “الفيزيائي”،فمن المعروف أن أي جسيم يصدر منه كم معين من الطاقة-وبالتالي خلايا الفيروس كذلك، تنبثق منه إشعاعات يمكن رصدها، وهي فكرة جهاز التشخيص.
بينما فكرةالعلاج، هي نفسها فكرة الغسيل الكلوي، حيث يتم توصيل المريض بالجهاز بأنابيب تقوم بسحب الدم منه وتمريره على الجهاز، الذي يسقِط على الدم كم من الإشعاع يعادل كمية الطاقة التي يخرجها الفيروس، وبالتالي لا يستطيع الفيروس تحمل هذه الطاقة في الاتجاه المعاكس فتؤدي إلى هلاكه.
ويشير إلى أن الفريق المكتشف للجهاز في أزمة حقيقية لعدة أسباب، أن الخلفية العلمية للمتحدث عن الجهاز تسئ للاختراع، -وهذا من وجهة نظره- يعد أكبر خطأ ارتكبه الفريق البحثي، بجعل من يتحدث عن اختراعهم أقلهم علما، والسبب الآخر يتعلق بعدم اشتراك وزارة الصحة المسئولة عن صحة المواطن المصري في أي مرحلة من مراحل الاكتشاف، ولم تشترك حتى في تقييمه.
كما أن الفريق بصفته البحثية والعلمية كان يجب أن ينشر طريقة عمل الجهاز أو أي بيانات علمية عنه في دوريات علمية، وهو مالم يحدث، وفي حالة عدم الرغبة في النشر عنه مخافة سرقة الأفكار، إذن كان يجب حينها عدم إعلانه للرأي العام حتى الانتهاء من إجراءات براءة الاختراع، قائلا: “قد يكون الاكتشاف عظيما..ولكن المتحدث ليس عظيما” – حسب تعبيره.
وأضاف أن الفكرة ليست مجربة من قبل وبالتالي فهي اختراع أو اكتشاف جديد، وأما عن أضرارها، فيجب النظر إلى أن الفكرة تعتمد على عدم تعريض المريض لنفسه لأي إشعاعات، وإنما الدم فقط، وهو لا يؤثر على شيء في الدم، كمرضى الغسيل الكلوي، والأثار الجانبية للجهاز أو الدواء الذي يجب استخدامه معه –كما تم الإعلان عنه- لا يعتد بها.
ولفت عبد الحميد إلى احتمالية عدم استجابة الحالات المرضية في مصر للدواء الأمريكي، لأن للفيروس 6 “طرز جينية” في العالم، والموجود في مصر من النوع “4”، بينما في الهند من النوعين”1و2″، وفي جنوب أمريكا من النوع “3”، وفي أوروبا من النوع “1”.
واختتم حديثه بتأييده استمرار الأبحاث في استكمال ما شاب جهاز القوات المسلحة من نقص، وبشرط إشراف وزارة الصحة على كافة الخطوات، مرجحا أن انخفاض ثمن الدواء الأمريكي بهذا الشكل الكبير قد يكون راجعا للإعلان عن اكتشاف القوات المسلحة، وبالتالي ستتكبد الدولة المنتجة خسائر كبيرة إذا لم توافق على تخفيض سعر الدواء لمصر، لأن مصر تعتبر من الدول المتصدرة لقائمة مرضى فيروس “سي” في العالم.
وأوضح الدكتور عيد الراجحي باحث و عضو الجمعية المصرية للهندسة الوراثية والجمعية المصرية للكيمياء، أن أسباب رفض الجهاز التي أعلنت عنه القوات المسلحة لعلاج فيروس سي يرجع إلى، أن طريقة الإعلان عن الجهاز في سياق “سياسي”، واحتقان لا يخفى علي أحد.
ولفت أنه كان من الأفضل الإعلان عن بداية المشروع، وفتح باب المساعدة والتطوع للباحثين، وأهل التخصص بالمشاركة و تقييم الفكرة، كما أن وجود أدوية جديدة لعلاج فيروسات الكبد، يخلق مستفيد من فشل هذا الجهاز – شركات أدوية و منظومة طبية عالمية فاسدة- تكسب مليارات الدولارات من وجود الفيروس، و تعمل على احتكار العلاج و السيطرة عليه طبقا لمصالحها.
وأشار إلى ضرورة الالتزم بآليات البحث العلمي، حتي لو كانت مرهقة وطويلة، إلا أنها تصب في صالح المريض في جميع الأحوال، و تجعل الإعتراف الطبي الدولي لهذا المشروع أمر حتمي وضروري، لإنهاء الجدال القائم بسببه.