#
شومان يطالب الدول الإسلامية باصدار تشريعات تحدد جهات إصدار الفتاوى

شومان يطالب الدول الإسلامية باصدار تشريعات تحدد جهات إصدار الفتاوى

طالب الدكتور  عباس شومان وكيل الأزهر بقصر الفتوى على الجهات الرسمية، معتبرا أنه آن الأوان لإصدار الدول الإسلامية تشريعات تحدد جهات الافتاء في القضايا التي تتعلق بالشأن العام وتمنع غيرهم و إن كانوا متخصصين.

وأضاف شومان في ورقة البحث التى قدمها اليوم بالمؤتمر العالمي  لدار الإفتاء (الفتوى.. إشكاليات الواقع وأفاق المستقبل) :”يجب أن  تنص التشريعات على  منع غير المتخصصين  من إصدار الفتاوى  العامة والخاصة وتوقيع عقوبات رادعة” ضد غير المتخصصين الذين يفتون في الشأن العام.

وأوضح شومان في كلمته بمؤتمر الإفتاء رُؤيته للنُّهوض بصناعة الفتوى، وإحداث الفتاوى للأثَر المرجوِّ منها، وهو رسمُ طريقِ التيسير على الناس دون الخُروج على الضوابط الشرعيَّة الملزِمة للمفتين في ثمانية نقاط.

حيث أكد شومان على إصدار الدول الإسلامية للتشريعات اللازمة التي تُحدِّد جهات إصدار الفتاوى الشرعية العامَّة، وقصرها على المؤسَّسات الرسمية ذات الاختصاص في كلِّ دولةٍ، مع احتفاظ المؤهَّلين من العلماء بحقِّهم في الإفتاء في المسائل الخاصة المتعلِّقة بالأفراد، ومنع وتجريم تصدِّي غير المؤهَّلين للإفتاء العام أو الخاص ، والتوسُّع في عَقدِ المؤتمرات الفقهيَّة بصفةٍ دوريَّة للنظَر في إصدار فتاوى جماعيَّة في الفُروع الحادثة التي تهمُّ المسلمين على اختلاف مواقعهم الجغرافيَّة.

بالإضافة إلى إعادة النظَرِ في كثيرٍ من المسائل التي أفتى فيها السابقون من سلَفِنا استنادًا على أعرافٍ تغيَّرت بين زمانهم وزماننا، وتلك التي نُقِلت من بلادٍ ذات عُرفٍ يختلفُ عن أعرافنا، وكذا المسائل التي تغيَّرت عِلَلُ أحكامها؛ لما هو مُقرَّرٌ من تغيُّر الفتوى بتغيُّر الزمان والمكان والأشخاص، ودوران الأحكام مع عِلَلِها وجودًا وعَدَمًا.

فضلا عن توضيح الفَرْقِ بين الرأيِ والفتوى؛ فكثيرٌ من الأقوال والآراء التي يَتلقَّاها الناس على أنها فتوى لا تُعَدُّ كذلك، بل هي آراء تُنسَب إلى قائليها، ولا تُعَدُّ من الفتاوى الشرعيَّة، لا سيَّما تلك الصادرة من المنتمين إلى أحزابٍ وتيَّاراتٍ سياسيَّةٍ مُعيَّنة عبرَ وسائل الإعلام المختلفة.

وأيضا دراسة السلوكيَّات الجديدة التي طرَأت على المجتمعِ الإسلامي نتيجةَ التأثُّر بالثقافات الوافدة، وتوضيح الرُّؤية الشرعيَّةِ في التعامُل مع مواقع التواصُلِ الاجتماعيِّ وبرامج المحادَثات بين الشباب، وتوجيههم بما يُوافق المنهجَ الإسلاميَّ.

أما النقطة السادسة فكانت رصد الفتاوى التكفيريَّة والداعمة لتوجُّهات الجماعات الإرهابيَّة، وتتبُّعها والتصدِّي لها، وتوجيه الأبحاث الفقهيَّة لدراسة ما تستندُ إليه الجماعات المتشدِّدة وتفنيد مَزاعِمهم؛ حتى نَحمِيَ الشبابَ المسلم من الوقوع في بَراثِنِ أفكارهم المدمِّرة، وفي هذا الإطار تجدُرُ الإشارة إلى إنشاء الأزهر الشريف قبلَ عدَّة أشهر مرصدًا إلكترونيًّا يَتتبَّعُ ما تُروِّجُ له الجماعاتُ الإرهابيَّة وتُصدِرُه على أنه فتاوى، وخُصوصًا ما يَصدُر عن تنظيم داعش الإرهابيِّ، والرد عليه وتفنيده بنفس اللغة التي نُشِرَ بها على موقعٍ خاصٍّ ببوابة الأزهر.

وإعداد دراساتٍ فقهيَّةٍ مُتخصِّصة تُبيِّن حُقوق المواطنين المخالفين في الدِّين الذي ينتمي إليه الغالبيَّةُ في دولتهم التي ينتمون إليها، أو يُقِيمون فيها إقامةً مؤقتةً، وانتهاءً بالنقطة الثامنة وهي التوسُّع في استخدام التقنيات والوسائل الحديثة؛ لسُرعة التواصل مع الغالبية العُظمى من المجتمع، ونشر الفتاوى الصحيحة في الوقت المناسب؛ لقطعِ الطريق على غير المؤهَّلين والمغرِضين الذين يستخدمون هذه الوسائلَ بكثافةٍ وبمهارةٍ فائقةٍ تُمكنهم من الإيقاعِ بالشبابِ.

وأضاف شومان قوله إننا نجتمع اليومَ بدعوةٍ كريمةٍ من دار الإفتاء المصريَّة، التي تَعقِدُ هذا المؤتمرَ العالميَّ حول (الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل)، وهو المؤتمر الذي جاء في زمانه ومكانه، وأصاب في عُنوانه، فتعلمون سُرعةَ التطوُّر العِلميِّ، وما ينتجُ عنه من فُروعٍ تحتاجُ إلى رأيٍ شرعيٍّ يُحدِّدُ للمُكلَّفين كيفيَّة التعامُل معها قبولًا وردًّا، واستحداث مجالاتٍ جديدةٍ سياسيَّةٍ واقتصاديَّةٍ واجتماعيَّةٍ، وعلاقاتٍ دوليَّة تحوي فُروعًا فقهيَّةً يَصعُب حَصرُها، وما يَمُرُّ به عالمُنا الإسلاميُّ والعربيُّ، خاصَّةً في الحِقبةِ الأخيرةِ من تقلُّباتٍ سياسيَّةٍ واجتماعيَّةٍ مُتَلاحِقة، تُعيِي المفتين عن مُلاحقتها بالفتاوى الشرعيَّةِ لما هو معلومٌ من حاجةِ صناعةِ الفتوى إلى مُراجعةٍ لمقاصد التشريع ومصادره، والفهم الجيِّد لحقيقة الفُروع الناشئة وتكييفها تكييفًا شرعيًّا مُناسبًا قبلَ استخلاص الفتوى المناسِبة لطبيعتها.

وإذا كانت مُلاحَقةُ الفروع بالفتاوى من قِبَلِ المفتين من الأمور الشاقَّة، فإنَّ هناك من العواملِ الإضافيَّة ما يزيد من هذه المشقَّة ويجعلُها مشقَّات بعضها فوق بعض؛ حيث إنَّ غالبَ هذه الفُروع لا نصَّ على حُكمٍ يُلائم طبيعتَها من السابقين، ولا نظائرَ لها فيما خلَّفُوه لنا من تراثٍ فقهيٍّ عظيمٍ، فضلًا عن إقحامِ غيرِ المؤهَّلين أنفُسَهم في مجال الإفتاء، واعتبار التوجُّهات الشخصيَّة والانتماءات السياسيَّة والطائفيَّة عندَ النظَر في المسائل الفرعيَّة من قِبَلِهم، حتى أصبَحَ بالإمكان في كثيرٍ من الأحيان تحديد هُويَّة مُطلِق الفتوى من مَنطُوقها!

وما هكذا تكونُ الفتوى؛ فلا علاقةَ ولا رابطَ بين الحُكمِ الشرعيِّ وما تَهواهُ النفسُ أو تميلُ إليه، وإنَّما التسليمُ بما تُنتِجُه قواعدُ النظَرِ المحدَّدة بضوابطَ مُحكمةٍ وأصولٍ ثابتةٍ لا خيارَ للمُفتِين الا الاخذ بها، مع مُلاحظةِ أنَّ مجالَ الإفتاء ليس كَلأً مُباحًا لكلِّ مُريد، بل هو بحرٌ زاخرٌ مُتلاطِم الأمواج، لا ينبغي أن يَقتَرِبَ منه إلا مَن تَسَلَّحَ بوسائلَ يَغلُبُ على الظنِّ قُدرةُ السابحِ فيه على التِقاط جواهرِه المكنونة النافعة للناس في أمورِ مَعاشِهم والمنجِية لهم – بإذن الله – في معادهم، ولذا أصبَحَ على المُفتِينَ تحمُّل هذه المشقَّات؛ لإيجاد الفتوى النافعة للناس، وفي ذات الوقت التصدِّي لهذه الفوضى العارِمة، ونسف ما أتَتْ به من فتاوى ما أنزل الله بها من سُلطان.

إنَّ الواقعَ الذي تمرُّ به الأُمَّةُ الإسلاميَّةُ اليومَ وما تُجابهه من تحدِّيات يفرضُ على مَن قُدِّرَ عليهم تحمُّل مسؤوليَّة الإفتاء بذلَ جهودٍ كبيرةٍ لإخراجِ الناسِ من حيرتِهم التي زادَ منها تضارُب ما يُعلن لهم على أنَّه من الفتاوى، وكثيرٌ منها ليس كذلك، وإنما هي مجرَّدُ أقوالٍ تحملُ وجهةَ نظرِ قائلها، ولا علاقة لها بالفتاوى الشرعية التي تُبنَى على أسسٍ عِلميَّة، ولقد تجاوزَتْ هذه الأقوالُ حُدودَ المنطق والمعقول فضلًا عن المشروع، فبها سُفِكت الدماءُ، ونُهِبت الأموالُ، وانتُهِكت الأعراضُ، وفقَدت أمَّتُنا الإسلاميَّةُ كثيرًا من مُقوِّمات نهضتِها، وتشوَّهت سماحةُ شريعةِ الإسلام عند مَن لا يعرفونها، ووَقَعَ الناس في حَرَجِ شديد، واهتزَّتْ ثقةُ الشبابِ في العلماء لعَدَم قُدرتهم على التفريق بين الرَّاسِخين في العلم والمتطفِّلين على موائد التشريع.

مؤكدا إنَّ تصحيحَ ما عَلِقَ في أذهانِ الشباب من أحكامٍ وفتاوى غيرِ صحيحةٍ من غير المؤهَّلين جَرَّاء انتشارها عبرَ وسائلِ الإعلامِ والفضاءِ الإلكترونيِّ ومواقعِ التواصل الاجتماعيِّ التي تَجتَذِبُ الشبابَ وتُمثِّلُ المصدرَ الأساس في بنائهم المعرفي والثقافي، يُحتِّمُ علينا الرصدَ الدقيقَ لهذه الفتاوى، ولمجمعِ البحوثِ الإسلاميَّةِ بالأزهرِ الشريفِ، ودارِ الإفتاءِ المصريَّةِ جهدٌ مشكورٌ في هذا الإطار، ثم تصحيح هذه الفتاوى ببَيانِ الرأيِ الشرعيِّ الصحيحِ في موضوعِ الفتوى، مع تفنيد الفتاوى الشاذَّةِ وكشفِ زيفِها كشفًا مُقنِعًا للشباب، ومن خلال نفس مَصادر تَلقِّيهم لهذه الفتاوى والتوسُّع في استخدام التِّقنيات المعاصرة والوسائل سريعة الانتشار؛ لأنَّ الوقت لا يحتملُ انتظارَ المطبوعاتِ وما يَصدُر من مجلَّدات.

ونَظَرًا لاستحداثِ مجالاتٍ جديدةٍ تتَداخَلُ في كثيرٍ من الأحيان في موضوع الفتوى كالمجالات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والطبيَّة والعُلوم التطبيقيَّة وغيرِها ممَّا يَتعذَّرُ معه في كثيرٍ من الأحيان على المتخصِّص في علوم الشريعة فقط تكييفُ الواقعة تكييفًا فقهيًّا منضبطًا؛ لما هو معلومٌ من أنَّ الحُكم على الشيءِ فرعٌ عن تصوُّره، فإنَّنا في حاجة ماسَّة إلى الاجتهادِ الجماعيِّ الذي يجلسُ فيه الحاذِقُون في هذه العلوم جنبًا إلى جنبٍ مع فقهاء الشريعة المعنيِّين باستنباط الحكمِ الشرعيِّ في المسألة محلِّ الفتوى والنظَر قبل إطلاقِ الفتاوى المتعلِّقة بهذا النوعِ من المسائل الفرعيَّة.

2015-08-17