
المدير التنفيذي لصندوق النقد: توقعات إيجابية للاقتصاد المصري.. والسياسة النقدية ضرورة للنمو
التمويل الآمن والادخار المحلي أساس التنمية المستدامة
– تبني سياسات اقتصادية ونقدية متكاملة ضرورة للتعافي ومواصلة النمو
– أولوية لدعم القطاع الصحى والتعليم والضمان الاجتماعى ونقل المعرفة والخبرات
– تحقيق أقصى استفادة ممكنة من عضويتنا في الصندوق والتعامل بمبدأ المصالح المشتركة
– نسعى للانضمام إلى مجموعة الدول التكنولوجية الكبرى من خلال تبني خطط التحول الرقمي ودمج المكون التكنولوجي في كل القطاعات الاقتصادية
– الديون مشكلة عالمية تفاقمت مع أزمة كورونا والاعتماد على مصادر ذاتية للتمويل ضرورة ملحة
– التصدير والاستثمار وزيادة معدل الادخار أولويات للاقتصاد المصرى لتوفير مصادر آمنة للتمويل
– مساندة الصندوق لمصر والدول العربية فى ظل تداعيات فيروس كورونا تعبر عن دور الصندوق وقت الأزمات
قبل ساعات من عودة الدكتور محمود محيى الدين المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولي وممثل مصر والمجموعه العربية فى مجلس إدارة الصندوق إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لتسلم مهام منصبه الجديد فى أعقاب فوز مصر بالمنصب، أجرت “الأهرام” حوارًا صحفيًا مع الدكتور محمود محيي الدين بالقاهرة عبر الهاتف مراعاة لظروف التباعد الاجتماعى والذى كشف خلاله عن رؤيته لمهام منصبه الجديد وسعادته بالدعم الذى تلقاه من بلاده للحصول على المنصب وبرنامج عمل الفترة المقبلة وأوليات الأجندة المصرية والعربية للتعافى والعودة لمعدلات النمو السابقة وتجاوز الأزمة المترتبة على انتشار فيروس كورونا إلى جانب رؤيته المستقبلية للاقتصاد المصري ورؤيته لدور صندوق النقد والتغيرات العالمية. وفيما يلى نص الحوار:
– جاء ترشح محيي الدين لمنصب المدير التنفيذي وممثل مصر ومجموعة من الدول العربية ب صندوق النقد الدولى ليؤكد اهتمام مصر بالمنصب للمرة الثانية على التوالى، فكيف تم الترشح وكيف تم بناء التحالف الداعم لهذا المنصب؟
ترشحي لمنصب المدير التنفيذي وممثل مصر ومجموعة من الدول العربية ب صندوق النقد الدولى جاء من جانب مصر التى دعمت هذا الترشح مما ترتب عليه توافق مجموعة الدول العربية الأخرى والتى تضم دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وعمان وقطر والأردن والعراق ولبنان واليمن وجزر المالديف على الترشح وجاء التصويت بالإجماع على تمثيل مصر للمجموعة في مجلس إدارة صندوق النقد الدولى ممثلا فى شخصى وذلك خلفًا للدكتور حازم الببلاوى رئيس وزراء مصر الأسبق.وكان لمساندة القيادة السياسية المصرية والحكومة والبنك المركزى المصرى تأثير كبير فى الفوز بالمنصب.
توليت عدة مناصب خلال السنوات الأخيرة فى عدة مؤسسات دولية، فما هى طبيعة منصبك الجديد وأهم الملفات ذات الأولوية التى سيتم التركيز عليها؟
تختلف طبيعة منصبى الجديد عن المناصب الدولية السابقة التى توليتها فالمنصب الجديد ليس شخصيًا ولكنه تمثيل لبلدى مصر وكذلك مجموعة من الدولة العربية، بالإضافة إلى جزر المالديف؛ حيث أقوم بتمثيل هذه الدول والتعبير عن مصالحها وأولوياتها فى مجلس إدارة صندوق النقد الدولى ، وهى مهمة تكتسب خصوصية كبيرة فى هذا التوقيت الحرج مع استمرار تهديد فيروس كورونا لحياة البشر والتداعيات الصحية والاقتصادية المستمرة سواء على المستوى المحلي والإقليمى والعالمى والتى تتطلب مزيدًا من العناية بالسياسات المالية والنقدية ومتطلبات التنمية الاقتصادية والحماية الاجتماعية.
ومن جانب آخر، تختلف طبيعة صندوق النقد الدولى إلى حد ما عن المؤسسات الدولية السابقة التى عملت بها، حيث يعتبر صندوق النقد الدولى هو الجهة التنفيذية الأعلى والمجمع الأكبر للسياسات النقدية والمالية على مستوى العالم. وربما تكون طبيعة عمل الصندوق قريبة إلى حد ما من عمل البنك الدولى وكثيرا ما يحدث خلط بين المؤسستين الدوليتين، ولكن لابد أن نؤكد أن صندوق النقد الدولى لا يقوم بتمويل مشروعات ولكن يختص بالسياسات المالية والنقدية بينما البنك الدولى يختص بتمويل المشروعات التنموية، أما عملى السابق فى منظمة الأمم المتحدة كمسئول لملف التنمية المستدامة فهى أشمل وأعم.
وتتمثل مهامى منصبى ب صندوق النقد الدولى فى مساندة الدول العربية فى تحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية من خلال تبنى سياسات مالية ونقدية ملائمة مع تطورات الأوضاع الداخلية والخارجية والتركيز على توفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الاعتبارات البيئية.
– حققت مصر نجاحًا كبيرًا في تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادى، ومع الدخول في أزمة كورونا وتداعياتها طبقت إجراءات اقتصادية للحد من الأزمة، ما هى رؤيتكم لهذه الإجراءات ولمستقبل الاقتصاد المصرى ؟
صندوق النقد قام بتقديم مساعدات عاجلة لمساندة الدول فى مواجهة الأزمة على الصعيد الصحى والاقتصادى وهو أمر ضرورى يعبر عن دور الصندوق ونظام عمله الأساسى وكان له أثر واضح، وعلى الدول أن تستفيد من عضويتها فى صندوق النقد لمساندة أولوياتها إلى جانب قدرتها على وضع صياغه متكاملة لأهدافها وبرامجها وتنفيذها بالشكل المناسب.
وأعتقد أن مصر تحتاج إلى تنويع مصادر التمويل لكى يتحقق التمويل الآمن لاحتياجاتها إلى جانب العمل على تعزيز حجم الصادرات وجذب الاستثمارات والدفع نحو تبنى آليات المجتمع الرقمى والتحول التكنولوجى، فعلى غرار مجموعة الدول الصناعية السبع يمكن أن تكون هناك مجموعة الدول التكنولوجية الكبرى، ويمكن أن تكون مصر إحدى هذه الدول من خلال دخول المكون التكنولوجى فى كافة القطاعات الاقتصادية ومنها الزراعة والرى والإنتاج والتجارة وغيرها، وكذلك فى استثمارات البنية التحتية والتعليم والصحة مما سيحقق طفرة كبيرة فى هذه المجالات تنعكس على كل المؤشرات الاقتصادية، كما أن هناك بعدًا آخر شديد الأهمية هو زيادة الادخار المحلى ليس فقط على مستوى الأفراد ولكن كذلك على مستوى الدولة والقطاع الحكومى والشركات، وذلك من خلال عدة آليات منها وضع نظم محفزة للتأمين الصحى والاجتماعي.
– فى ظل التداعيات الصحية والاقتصادية لجائحة كورونا، كيف يمكن لمصر ومجموعه الدول العربية الاستفادة من صندوق النقد الدولى ؟
تمر دول العالم أجمع بما فيما مصر ومجموعة الدول العربية بظروف استثنائية بسبب استمرار جائحة كورونا ولذا تأتى الأولوية فى هذه الظروف للقطاع الصحى وتعزيز الخدمات الطبية والعلاجية وتوجيه مزيد من العناية للإجراءات الوقائية، ثم يلى ذلك التركيز على مساندة القطاع المالي والمصرفي وقطاع الضمان الاجتماعي والتعليم، وبالفعل قدم صندوق النقد الدولى إتاحات مالية عاجلة للعديد من دول العالم لمواجهة تداعيات الأزمة وهذا أحد الأدوار المهمة لهذه المؤسسة المالية الكبرى تجاه المجتمع العالمى ومن حق الدول الاستفادة منها، ولابد من التنويه إلى أن صندوق النقد الدولى لا يقتصر عمله فقط على تمويل برامج الدول ولكن هناك جانبًا آخر مهمًا وهو الجانب الفنى الذى يتمثل فى نقل المعارف والتجارب الدولية والخبرات والتعرف على الأفكار والبرامج الجديدة لمعالجة القضايا المتعلقة بالسياسات المالية والنقدية وهناك العديد من الدول التى استفادت من هذه المساعدات الفنية مثل الصين وكوريا واليابان مما ساعدها فى الإسراع بخطى النمو ومساعدتها فى تحديد أولوياتها ووضع سياسات اقتصادية وماليه متكاملة، وأحب أن أشير إلى أن علاقة الدول مع الصندوق لابد أن تقوم على مبدأ متوازن لتحقيق المصالح، فالدول أصحاب حق ويجب أن تتعامل من هذا المنطلق.
– كيف ترى وضع الاقتصاد العالمى مع استمرار جائحة كورونا وحالة عدم اليقين بشأن تداعيات الأزمة؟
الاقتصاد العالمى يمر بمرحلة ركود وتتركز الجهود الدولية فى منع الدخول فى حالة كساد يصعب الخروج منها، وتختلف تأثير الأزمة من دولة إلى أخرى تبعا لمدى انتشار الوباء وانعكاسه على الوضع الصحى والاقتصادى إلى جانب قوة الاقتصاد وقدرته على امتصاص الصدمات، كذلك يختلف التأثير من قطاع اقتصادى إلى آخر فهناك قطاعات استفادت من الأزمة مثل القطاع الطبى والصحى وقطاع الخدمات التكنولوجية، وهناك الكثير الذين فقدوا الوظائف وانخفضت دخولهم ومستوى معيشتهم جراء الأزمة الحالية، وهذه الأزمة تفرض إعادة ترتيب الأولويات الدولية والمحلية وزيادة التعاون بين كافة دول العالم لإيجاد حلول مبتكرة للعبور من الأزمة ودعم النشاط الاقتصادى ومواصلة معدلات النمو لاتجاهها الصعودى.
– ما رؤيتك لكيفية الخروج من الأزمة الحالية، وهل يتحمل الاقتصاد العالمى حالة إغلاق جديدة؟
الأزمة الحالية لاتزال غير معلومة المدى مع استمرار الجائحة وعدم الانتهاء من التجارب الخاصة بإنتاج لقاح للوقاية من الفيروس مما يعنى استمرار حالة الاستنفار والمواجهة خاصة مع بدء الموجة الثانية للفيروس وارتفاع الإصابات واتجاه عدد من الدول الأوروبية للإغلاق مرة أخرى رغم آثاره الاقتصادية الحادة والتى لم يتعاف منها الاقتصاد العالمى بعد، موضحًا أن الجائحة أدت إلى انخفاض معدل النمو العالمى وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولى فى الاجتماعات السنوية أكتوبر ٢٠٢٠؛ حيث قدر الصندوق نمو الاقتصاد العالمى سلبيا بنسبة ٤.٤% فى العام الحالى ليعود إلى الارتفاع العام المقبل وذلك مع اتخاذ دول العالم العديد من الإجراءات والسياسات النقدية والمالية وزيادة الإنفاق الاجتماعى لاحتواء آثار الأزمة على القطاعات الاقتصادية والشركات وكذلك على مستوى المعيشة والحفاظ على الوظائف، ولاتزال الأولوية فى الفترة المقبلة للإنفاق على القطاع الصحى والمحافظة على كافة إجراءات الحماية والوقاية الصحية والتباعد الاجتماعى.
– رغم انخفاض معدل النمو العالمى وحالة الركود التى دخلت فيها معظم الاقتصادات الكبرى إلا أن الصندوق احتفظ بتوقعات إيجابية لنمو الاقتصاد المصرى ، كيف ترى ذلك؟
بالفعل توقع صندوق النقد تحقيق الاقتصاد الصينى و الاقتصاد المصرى معدلات نمو إيجابية من بين العديد من دول العالم التى تعانى الركود ومعدلات النمو السلبية، وذلك بالرغم من تأثر مصر بجائحة كورونا وذلك خلال العام الجارى، ويعتبر هذا النمو مدفوعًا بشكل أساسي من ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وكذلك السياحة التى بدأت تعود بشكل بسيط ومن المتوقع ارتفاع عائداتها فى العام المقبل مع تراجع الأزمة.
وتحقيق معدلات نمو إيجابية ينعكس بشكل واضح على إيجاد مزيدًا من فرص العمل واسترداد الاقتصاد بقطاعاته المختلفة جزءًا من عافيته بشكل تدريجى، وتكتسب عملية تبنى سياسات متكاملة على الصعيد الاقتصادى والمالى والنقدى أهمية كبيرة للتعافى ومواصلة النمو خاصة مع تزايد عدد السكان.
مع تداعيات أزمة كورونا برزت بشكل واضح مشكلة الديون التى أصبحت قضية عالمية تحتاج إلى تعامل مختلف، فكيف ترى التعامل معها والمواءمة بين الإيرادات والنفقات؟
بالفعل تم تسليط الضوء مؤخرًا على قضية الديون وهناك العديد من التحذيرات الدولية من تفاقم المشكلة وتحولها إلى أزمة خاصة مع زيادة الإنفاق من قبل حكومات دول العالم للحد من آثار جائحة كورونا على الأفراد والاقتصاد والخسائر التى تكبدتها ولاتزال تتكبدها معظم دول العالم. ومشكلة الديون لها أربعة مستويات: المستوى الأول دول تواجه تحدي الديون، والمستوى الثانى دول تواجه مشكلة الديون، والمستوى الثالث دول تواجه أزمة الديون، والمستوى الرابع والأخطر هي الدول التى تواجه كارثة الديون، وبالطبع يختلف التعامل مع الديون وفقًا للمرحلة التى تمر بها كل دولة، ولكن بشكل عام لابد من الاهتمام بالتمويل الذاتي وتنويع مصادر التمويل إلى جانب الاعتماد على التمويلات الدولية لكى تتمكن الدول من تجاوز المشكلة.
– هل تعتقد أن دور صندوق النقد الدولى بدأ يأخذ شكلًا مغايرًا ومتطورًا مع التغيرات الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم؟
مجلس إدارة صندوق النقد الدولي هو الجهة التنفيذية الأعلى للسياسات المالية والنقدية ومنذ الولاية السابقة لكريستيان لاجارد مديرة صندوق النقد السابقة حدث اهتمام كبير بقضايا التنمية والنوع، وكذلك الموضوعات المتعلقة بالبيئة والمناخ، وواصلت كريستالينا جورجيفا المديرة الحالية ل صندوق النقد الدولى هذا النهج من خلال التركيز على تعزيز التنمية المستدامة ومساندة الدول ودعم قدرتها على النمو الشامل والتى تم ترجمتها من خلال العديد من البرامج، وبالفعل هناك تغير واضح فى خطاب الصندوق على مدى السنوات الماضية وأدوار مهمة قام بها للمساندة المالية للدول…